فصل: الفصل الثاني: في الإشهاد عليه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***


الفصل الخامس‏:‏ في التصرفات فيه

في الكتاب‏:‏ لو وهبته بعد القبض، وهي جائزة الأمر فطلق قبل البناء رجع بنصف قيمته يوم الهبة؛ لأنه يوم الإتلاف، وقال غيره‏:‏ يوم القبض؛ لأنه يوم الضمان، قال ابن القاسم‏:‏ ولو أعتقت العبد غرمت نصف قيمته يوم العتق موسرة أو معسرة، وينفذ العتق إذا علم الزوج أنه رضي، وإلا فلو قام فله رده إن زاد على ثلثها، ولم يعتق منه شيء كهبة أكثر من الثلث، فإن طلق قبل البناء فله نصفه، ويعتق عليها نصفه؛ لأن كل عتق رد للحجر ينفذ عند زواله، قال ابن يونس‏:‏ قال عبد الملك‏:‏ عليها إذا أعتقته قيمته يوم القبض، وقال أشهب‏:‏ لا يعتق منه شيء إذا طلق قبل البناء لرد الزوج العتق أولا، وقال ابن القاسم‏:‏ يعتق ثلثه، وإن كره الزوج‏.‏

فرع‏:‏

قال أصبغ‏:‏ لو اشترت بالعين الجهاز المعروف فتلف لم تضمن لإذن العرف في ذلك، قال مالك‏:‏ ولها أن تأكل من صداقها بالمعروف وتكتسي، وفي الكتاب‏:‏ إذا اشترت به مالا يصلح للجهاز فطلقها قبل البناء فله نصف المشترى؛ لأنه أذن في الشراء عرفا، وإن اشترت بغيره رجع بنصف الصداق دون المشترى، إلا أن تكون العادة شراءه للجهاز، فله نصفه للعادة في طلب ذلك من الزوجات فهي متصرفة بوكالته وليس للمرأة إمساكه، ودفع نصف الصداق، قال اللخمي‏:‏ هل تؤمر بأن تتشور بصداق العين أو تصنع به ما شاءت كثمن المبيع‏؟‏ قولان لمالك، أما إن كان دارا أو عبدا أو ما يؤكل أو يوزن فليس عليها بيعه حتى تتشور به، ويأتي الزوج بما تحتاج إليه، إلا أن تكون ثم عادة فيجري الخلاف المتقدم، فإن كان يزاد في الصداق لذلك أجبر الأب عليه‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ لو أنفقت على عبد في صناعة نفقة عظيمة أو تأديب الجارية لم يرجع بشيء بخلاف ما فيه حياة العبد من طعام وشراب؛ لأنها أنفقت لغرضها، وقال ابن حبيب‏:‏ ترجع؛ لأنه تصرف مأذون فيه، ولو باعته بمحاباة رجع بنصف المحاباة‏.‏

الفصل السادس‏:‏ في زيادة الزوج بعد التقدير

وفي الكتاب‏:‏ إذا زادها ولم تقبضه حتى مات أو طلق قبل البناء فلها نصف الزيادة في الطلاق دون الموت لفوات القبض في الحياة، قال ابن يونس‏:‏ قال الأبهري‏:‏ القياس وجوبها في الموت؛ لأنها مهر لا هبة، وإلا لما استحق نصفها بالطلاق، قال اللخمي‏:‏ ولو زادها ولم يلحقها بالصداق وطلق قبل البناء لم يكن لها شيء؛ لأنها هبة لها حكم الهبات، وقال ‏(‏ح‏)‏، وابن حنبل‏:‏ الزيادة بعد العقد لازمة أنه زمن يعوض فيه للمعوضة، ومنع ‏(‏ش‏)‏ قياسا على البيع، وأسقط ‏(‏ح‏)‏ الزيادة بالطلاق، وفي الجلاب‏:‏ إذا اشترط وليها مع الصداق كسوة أو غيرها، فحكمه حكم الصداق قبل الدخول أو بعده في التشطير لما في مسلم‏:‏ قال عليه السلام‏:‏ ‏(‏أحق الشروط أن توفى ما استحللتم به الفروج‏)‏، فإن أهدى إليها أو لأهلها هدية أو صنع معروفا فلا رجعة له فيه إن طلق قبل البناء؛ لأنه تبرع، قال صاحب البيان‏:‏ إن كانت الهدية لولي المرأة عند الخطبة قبل العقد إن تم العقد فهي للمرأة، وإلا رجع بها الزوج على الولي، أو عند العقد وشرطت فكالصداق، ويتشطر بالطلاق، قال ابن حبيب‏:‏ ولو ترك ذلك لوليها ثم طلقت رجع الزوج بالنصف عليه، ولم يكن كهبة الصداق؛ لأنه كالعقد على هبة عبد لفلان، وما كان بعد العقد بغير شرط فللولي المهدي له لقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏أيما امرأة نكحت على صداق أو حباء أو عدة قبل عصمة النكاح فهو لها، وما كان بعد عصمة النكاح فهو لمن أعطي له، وأحق ما أكرم عليه الرجل ابنته أو أخته‏)‏ أخرجه أبو داود، فلو دفع لهم عينا وأشهد أنها عارية نفعه الإشهاد إن لم يقل هو هدية ويأخذه، ولا شيء عليهم في امتهانه، وإن زاد على امتهان العواري إذا لم يعلموا، وإن ضاع لزمهم إلا أن تكون بينة على الذهاب كالعواري، قاله سحنون، وقال ابن القاسم‏:‏ لا يضمنونه؛ لأنهم لم يلتزموا ضمانه، قال‏:‏ وقول ابن القاسم القياس فلو صرح بأنه هدية لم ينفع الإشهاد، فإن كان العرف الهدية لم ينفعه الإشهاد في السر؛ لأن الإشهاد لا يبطل الحق على القول بالقضاء بالعرف، ولمالك فيه قولان، وإذا أهدى للتي ملك عليها هدية فلا رجوع، وإن طلق فإن فرق بينهما لعدم النفقة، قال ابن القاسم‏:‏ لا رجوع على أصله أنه طلاق يوجب نصف الصداق، وعلى رأي ابن نافع في كونه فسخا كالعيوب يكون لها الرجوع إن كانت قائمة، فإن ظهر فساد النكاح فرق بينهما قبل البناء، قال ابن القاسم‏:‏ ترجع إن كانت قائمة؛ لأن سبب إهدائها بطل، ولو ردها بالعيب قبل البناء رجع، ولا رجوع بعد الدخول اتفاقا إلا أن يكون بعد الدخول، والفسخ بحدثان ذلك، وهذا كله في هدية التطوع من غير عرف، وأما المشترطة فكالصداق، وذات العرف كذلك عند ابن حبيب على القول بالقضاء بالعرف، ويرجع بنصفها في الطلاق، وأبطلها مالك عن الزوج بالموت، والطلاق‏.‏

الفصل السابع‏:‏ في التفويض

وهو الصداق المسكوت عنه، وهو جائز عندنا، وعند الأئمة لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة‏)‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 236‏)‏ فشرع الطلاق حالة عدم الفرض، وهو دليل صحة النكاح‏.‏

قال اللخمي‏:‏ نكاح التفويض ثلاثة‏:‏ جائز، وهو‏:‏ التفويض إلى الزوج أو عقد على غير صداق، وفاسد، وهو‏:‏ دخولها على دفع الخيار بأي شيء فرض، ومختلف فيه، وهو‏:‏ التفويض إلى الزوجة، أو وليها، أو أجنبي، أو يقول‏:‏ تزوجتك على حكمي، أو حكمك، أو حكم وليك، أو حكم فلان فيمتنع ابتداء، فإن نزل مضى، وقيل‏:‏ يفسخ إلا أن يدخل، وقال عبد الملك‏:‏ يجوز على حكمه؛ لأنه أصل التفويض دون حكمها، وإذا قلنا بإمضائه فثلاثة أقوال، قال ابن القاسم‏:‏ الفرض يرجع إلى الزوج سواء جعل الحكم له أو لغيره، ووافقه أشهب إلا أن يكون الأمر بيدها فلا يلزمها صداق المثل، وقال ابن القاسم‏:‏ لا بد من الرضا من الجهتين، وإلا فرق بينهما، واتفقت الأقوال إذا كان الأمر إلى الأجنبي أن لا يلزم الزوج فرضها ولا فرضه‏.‏

تفريع في الكتاب‏:‏ نكاح التفويض جائز، وإن بنى بها فلها مهر مثلها في المال والجمال، وفي الجواهر‏:‏ المعتبر فيه الدين، والجمال، والحسب، والمال، والأزمنة، والبلدان فيهما اختلاف الرغبات، وعند ‏(‏ش‏)‏، وابن حنبل‏:‏ يعتبر نساء عصبتها، وعند ‏(‏ح‏)‏‏:‏ نساء العشيرة العصبة وغيرها، وهو غير معتبر عندنا بل نعتبر هذه الصفات، وإن خرجت بها عمن ذكروه، وعندهم لا يخرج عنهن، قال صاحب البيان‏:‏ يعتبر مع الصفات الأربع نساء قومها من جهة أبيها دون أمها غير مقتصر عليهن، لنا‏:‏ قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏تنكح المرأة لأربع‏:‏ لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك‏)‏ فذكر - عليه السلام - متعلق الرغبات، وهي مناط صداق المثل كقيم المتلفات، وفي الكتاب‏:‏ يعتبر حال الرجل أيضا في ذلك؛ لأن العادة التخفيف عن الصالح والتثقيل على الطالح وليس له البناء حتى يفرض صداق المثل إلا أن ترضى بدونه أو يطلق؛ لأنها كالبائع في السلعة لا يجب عليه تسليمها حتى يقبض الثمن، وإن طلق بعد الرضا قبل البناء فنصف ما رضيا به لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏فنصف ما فرضتم‏)‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 237‏)‏، ولأن الفرض بعد العقد يلحق بالعقد فوجب أن ينصف بالطلاق كالمقترن بالعقد، وقال لا ينصف بالطلاق؛ لأنه لم يجب بالعقد، وإن فرض في مرضه لا يجوز؛ لأنه إخراج المال لا يجب إلا أن يطأها في مرضه فيكون من رأس المال صداق المثل، والزائد عليه يبطل، قال ابن يونس‏:‏ قال مالك‏:‏ إلا أن تكون ذمية فلها الزائد في ثلثه؛ لأنها غير وارثة، قال محمد‏:‏ والأمة كذلك، وقال عبد الملك‏:‏ لا شيء لها إذا سمى ولم يدخل ثم مات من مرضه؛ لأنه لم يسم إلا للمصاب ولم تصب، وروي عن ابن القاسم‏:‏ إن سمى للحرة المسلمة فماتت وصح هو لزمته التسمية، وكرهه أصبغ؛ لأنه كان باطلا في أصله، ولو مات الزوج قبل البناء والفرض فلها الميراث؛ لأنها زوجة، والمتعة لعدم الصداق دون الإصداق؛ لأن الأصل أن لا تستحق المرأة شيئا حتى تسلم بضعها ولم تسلم، ورد النص في المفروض بقي ما عداه على الأصل، وقاله ابن عمر خلافا لابن مسعود، قال ابن حبيب‏:‏ ولا يخلو بها حتى يعطي ربع دينار، فإن مسها ثم طلق لزمه الصداق، قال ابن القاسم‏:‏ ولو قال‏:‏ لها صداق مثلها ثم طلق فلها نصفه؛ لأن ذلك فرض، قال محمد‏:‏ وإن عقد على عشرين نقدا وبقية المهر تفويضا ففرض ولم يرض به؛ لأنه أقل من صداق المثل ففارق فله أخذ العشرين لعدم استقرارها مهرا‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا رضيت الثيب بأقل من صداق مثلها فلا قول لوليها، ولا يعتبر رضا البكر ولو وافقها الولي إلا الأب؛ للحجر عليها، إلا أن يكون ذلك نظرا فيعتبر رضاها، ومهما فرض صداق المثل لزم قبوله قبل البناء وبعده، وقال غيره‏:‏ ليس لأب ولا وصي التنقيص من صداق المثل بعد البناء لتعينه لها، قال ابن القاسم‏:‏ ولا يجوز، وضعها عن الزوج بعد الطلاق وقبل البناء، وإنما يجوز ذلك للأب وحده، وقيل‏:‏ يجوز وضعها؛ إذ لا ولاية عليها حينئذ‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ إذا رضيت السفيهة بدون صداق المثل، وهي غير مولى عليها ففي جوازه قولان، أو مولى عليها - وهو نظر - صح رضا الولي به قبل الدخول، وإن كان بعده ففي صحة رضا الولي به أقوال‏:‏ ثالثها‏:‏ التفرقة، فتصح في حق ذات الأب لشفقته دون غيره، وللمرأة طلب الفرض لتقدير التشطير، وفي الواضحة‏:‏ إن طلبت النقد قبل البناء وأبى الزوج إلا عند البناء فذلك له، إلا أن تريد تعجيل البناء، ويجوز إثبات الأجل في المفروض، ولو أبرأت قبل الفرض يخرج على الفرض عما لم يجب، وجرى بسبب وجوبه، ولو فرض لها خمر ألغي ولم يؤثر في التشطير‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا تزوجها على حكمه أو حكمها أو حكم فلان جاز؛ لأنه تفويض، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ لا يجوز؛ لأنه جهالة، وقد كان ابن القاسم يكرهه ثم رجع، قال ابن يونس‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ لا يلزمها صداق المثل إذا لم يبن بها إذا تزوجها على حكمها، وروي في الكتاب‏:‏ يلزمها، قال أبو محمد‏:‏ ولو فرضت صداق المثل لا يلزم الزوج، إلا أن يرضى بخلاف الزوجة يفرض لها الزوج صداق المثل كواهب السلعة إذا أعطي قيمتها، ولا يلزم الموهوب القيمة، وأما تحكيم فلان يفرض صداق المثل لازم لهما؛ لأنه كالحاكم، وقال اللخمي‏:‏ إذا فرض الزوج أقل فرض والوصي والزوجة، جاز، أو أحدهما لا يلزم لقصور الوصي عن الأب، قال‏:‏ وأرى اعتبار رضا الوصي؛ لأنه ناظر في المال، ومتى كان الفرض في المرض كان لها بعد البناء الأقل من المسمى وصداق المثل في رأس المال‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ الوطء في النكاح الفاسد يوجب مهر المثل باعتبار يوم الوطء؛ لأنه يوم الاستيفاء لا يوم العقد، وكذلك الوطء بالشبهة، وإذا اتحدت الشبهة اتحد المهر، وإن وطئ مرارا، وإذا لم تكن شبهة كوطأة الزاني المكره وجب بكل وطء مهر؛ لأن كل وطأة لو كانت بعد عقد أوجبت مهر المثل أو المسمى، ولما نزلت الشبهة منزلة العقد، ‏(‏ولا العقد‏)‏ لا يتكرر فيه الصداق فلا يتكرر فيها‏.‏

تنبيه‏:‏ لو اتحدت الشبهة، واختلفت أحوال الموطوءة بالغنى والفقر، والصحة والسقم مما يوجب اختلاف صداق المثل في تلك الأحوال فهل يخيرها في صداق المثل بين الوطأة الأولى أو الأخيرة أو الوسطى‏؟‏ لأن ذلك قد يزيد لها في صداقها أو يحتم عليها الحالة المقارنة للوطأة الأولى، ولم أر فيه نقلا للأصحاب، وظاهر أقوالهم‏:‏ تعيين الحالة الأولى كيف كانت، وقال الشافعية‏:‏ تأخذ صداق المثل باعتبار أفضل الحالات، ويسقط ما عداها؛ لأن الوطآت كلها منافعها فلها الأخذ بأيها أحبت‏.‏

الفصل الثامن‏:‏ في العفو عنه

قال الله تعالى‏:‏ ‏(‏وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم‏)‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 237‏)‏، أي‏:‏ لهن، ثم قال‏:‏ ‏(‏إلا أن يعفون‏)‏، أي‏:‏ يعفو النساء الرشيدات عن النصف فيسقط، وهو متفق عليه، ثم قال‏:‏ ‏(‏أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح‏)‏، قال مالك‏:‏ هو الأب في ابنته والسيد في أمته، وقال الأئمة‏:‏ وهو الزوج؛ لأنه مروي عنه - عليه السلام - ولأن إسقاط الولي مال المولية خلاف الأصل، والجواب عن الأول‏:‏ أنه ضعيف سلمنا صحته لكن لا نسلم أنه تفسير للآية بل إخبار عن حال الزوج قبل الطلاق‏.‏

وعن الثاني‏:‏ أن حكم الولاية بتصرف الولي بما هو أحسن للمولى عليه، وقد يكون العفو أحسن لاطلاع الولي على ذلك يرغب فيها من في وصلته غبطة عظيمة، ثم الآية تدل لنا من عشرة أوجه‏:‏ أحدها‏:‏ أن الاستثناء من النفي إثبات، ومن الإثبات نفي، والمتقدم قبل إلا إثبات للنصف فعلى رأينا ينتفي فتطرد القاعدة، وعلى رأيهم يعفو الزوج فيكمل الصداق فيكون الاستثناء من الإثبات، وهو خلاف القاعدة، وثانيها‏:‏ الأصل في العطف بأو‏:‏ التشريك في المعنى لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏إلا أن يعفون‏)‏ معناه‏:‏ الإسقاط، وقوله تعالى‏:‏ ‏(‏أو يعفو الذي‏)‏ على رأينا للإسقاط، فيحصل التشريك، وعلى رأيهم فيكون قولنا أرجح، وثالثها‏:‏ أن المفهوم من قولنا إلا أن يكون كذا، وكذا تنويع ذلك الكائن إلى شيئين، والتنويع فرع الاشتراك في المعنى، ولا مشرك بين الإسقاط والإعطاء فحسن تنويعه، وعلى رأينا المتنوع الإسقاط إلى إسقاط المرأة أو الولي، ورابعها‏:‏ أن العفو ظاهر في الإسقاط، وهو ما ذكرناه، وعلى رأيهم يكون التزام ما سقط بالطلاق، والتزام ما لم يجب لا يسمى عفوا‏.‏

وخامسها‏:‏ أن إقامة الظاهر مقام المضمر خلاف الأصل، فلو كان المراد الزوج لقيل‏:‏ إلا أن يعفون أو تعفون عما استحق لكم، فلما عدل إلى الظاهر دل على أن المراد غيرهم، وسادسها‏:‏ أن المفهوم من قولنا بيده كذا، أي‏:‏ يتصرف فيه، والزوج لا يتصرف في عقد النكاح، بل كان يتصرف في الحل، والولي الآن هو المتصرف في العقد فتناوله اللفظ دون الزوج‏.‏

وسابعها‏:‏ سلمنا أن الزوج بيده عقدة النكاح لكن باعتبار ما كان ومضى فهو مجاز، والولي بيده الآن فهو حقيقة فتقدم على المجاز، وثامنها‏:‏ أن المراد بقوله‏:‏ ‏(‏إلا أن يعفون‏)‏‏:‏ الرشيدات اتفاقا؛ إذ المحجور عليها لا ينفذ الشرع تصرفها، فالذي يحسن مقابلتهن بهن‏:‏ المحجورات على أيدي أوليائهن أما بالأزواج فلا مناسبة، وتاسعها‏:‏ أن الخطاب كان مع الأزواج بقوله‏:‏ ‏(‏وقد فرضتم‏)‏، وهو خطاب مشافهة فلو كانوا مرادين في قوله تعالى‏:‏ ‏(‏الذي بيده عقدة النكاح‏)‏، وهو خطاب غيبة للزم تغيير الكلام من الخطاب إلى الغيبة، وهو خلاف الأصل، وعاشرها‏:‏ أن وجوب الصداق أو بعضه قبل المسيس خلاف الأصل؛ لأن استحقاق تسليم العوض يقتضي بقاء المعوض قابلا للتسليم أما مع تعذره فلا، فالاستشهاد بشهادة البيع، والإجارة بإسقاط الأولياء للنصف على وفق الأصل، وتكميل الزوج على خلافه، وموافقة الأصول أولى‏.‏

تفريع‏:‏ في الكتاب‏:‏ قال مالك‏:‏ ولا يجوز ذلك للأب قبل الطلاق، قال ابن القاسم‏:‏ إلا بوجه نظر من عسر الزوج أو غيره، ولا يلحق الوصي بالأب، وفي الجلاب‏:‏ لا عفو ولا تصرف لولي الثيب معها، ولولي البكر المطالبة دون الإسقاط إلا بإذنها، وللأب أن يعفو إذا طلقت قبل البناء؛ لأنه مورد النص دون قبل الطلاق أو بعد الدخول، والفرق أن استحقاقه بعد الطلاق قبل الدخول على خلاف الأصل فسلط الأب عليه إذا رآه نظرا بخلاف الدخول أو قبل الطلاق لتعيين الاستحقاق فغلب حق الزوجة‏.‏

الفصل التاسع‏:‏ في التسليم

وفي الكتاب‏:‏ للمرأة منع نفسها حتى تقبض صداقها قبل البناء، فإن أعسر قبل البناء ضربت له الأيام أجلا بعد أجل بحسب ما يرجى من حاله، فإن لم يقدر فرق بينهما، وإن أنفق عليها، وإن أعسر بعد البناء لم يفرق بينهما، ‏(‏واتبعته‏)‏‏.‏

قاعدة‏:‏ الأعواض في جملة العقود‏:‏ وسائل، والمعوض فيه‏:‏ مقصد، والمقاصد أعظم رتبة من الوسائل، فلذلك إذا تنازع المتبايعان أيهما سلم قبل صاحبه‏:‏ فالقول قول البائع؛ لأنه صاحب المقصد، ومثله المرأة في النكاح، قال ابن يونس‏:‏ قال ابن حبيب‏:‏ إذا لم يجد الصداق ولم يبن كلف النفقة، وفسح له في الصداق ‏(‏إلى السنتين، وإن لم يجد النفقة أجل الأشهر إلى السنة، وإذا فرق بينهما لعدم الصداق‏)‏ أو النفقة، قال ابن القاسم‏:‏ لها نصف الصداق، وقال ابن نافع‏:‏ إن فرق لعدم الصداق فلا صداق؛ لأنه من قبلها، وكذلك إن جن قبل البناء فلا صداق في الفراق، وفي الكتاب‏:‏ لها المطالبة بجملة الصداق إن كان مثلها يوطأ، وهو بالغ، ولا تكفي قدرته على الوطء بخلافها؛ لأن مقصوده لا يحصل إلا بالإنزال، قال أبو الطاهر‏:‏ لا يطلق على الزوج بالإعسار بالصداق بعد الدخول، وللرشيدة المطالبة بالحال والمؤجل عند حلوله، ورواية المتقدمين‏:‏ ذلك لولي السفيهة، ومنعه المتأخرون؛ لأن العادة تأخيره، قال ابن يونس‏:‏ قال ابن حبيب‏:‏ إن اتفقا على البناء قبل تقديم شيء جاز، وكره مالك أن يدخل حتى يعطي ربع دينار؛ لأنه حق لله تعالى في إباحة الوطء، قال مالك‏:‏ لو شرط عليه أن لا يدخل لسنة إن كان غريبا يريد السفر بها، وأرادوا بقاءها عندهم تلك المدة صح الشرط، وإلا بطل، ولو منعها أهلها حتى يسمنوها فلهم الوسط من ذلك، ولهم المنع للصغر، وإن دعى وهي رتقاء، فإن فارق فالصداق لها إلا أن تعالج نفسها فلها الصداق، ولا تجبر على العلاج لكونه ضررا عليها، ولو تجذمت بعد النكاح حتى لا تجامع فدعته إلى البناء قيل له‏:‏ ادفع الصداق وادخل أو طلق؛ لأن المنع طرأ بعد العقد وليس من قبلها، وفي الجواهر‏:‏ من كانت محبوسة أو ممنوعة لعذر لا يلزم تسليم الصداق إلا أن يكون الصداق معينا كدار أو عبد؛ لأن ضمان المعين منها، ولو سلمت نفسها وجب التسليم، فإن رجعت سقط طلبها إلا أن يطأها فيستقر الصداق بالتقاء الختانين مرة، فإن الأحكام نيطت به، ويمهل لما جرت العوائد به، ولا يمنع لحيض لحصول الاستمتاع معه‏.‏

فرع‏:‏

قال صاحب البيان‏:‏ إذا دخل بها قبل القبض أمر بإعطاء ربع دينار، وإلا يلزم الكف، وكره محمد التمادي حتى يعطي إن كانت أذنت له في الدخول‏.‏

الفصل العاشر‏:‏ في الخلوة

في الموطأ أن عمر - رضي الله عنه - قضى في المرأة إذا تزوجها الرجل أنه إذا أرخيت الستور فقد وجب الصداق، وفي الكتاب‏:‏ إذا أرخى الستر ثم طلق فقال‏:‏ لم أمسها وصدقته فلها نصف الصداق، وعليها العدة؛ لأنها حق لله تعالى فلا يسقط بقولها مع وجود مظنته، ولا رجعة له لإقراره، وكذلك إن تصادقا على الوطء دون الفرج، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ الخلوة توجب كمال المهر، وطئ أم لا، دعته أم لا، إلا أن يكون مانع كالمرض، والإحرام، وعليها العدة، وكذلك قال ابن حنبل، ولو كانت حائضا أو غير ذلك إلا أن يكون أعمى لا يتمكن من الاستمتاع بها لقول عمر رضي الله عنه، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ لا تجب العدة، ولا يكمل المهر إلا بالوطء لظاهر القرآن، فإن طال مكثها في الاستمتاع فلها جميع الصداق؛ لأن العذر من قبله، وقد اخلق شوارها، وحصل من الاستمتاع ما يقوم مقام الوطء، وفي الجواهر‏:‏ اختلف في طول المدة، فقيل‏:‏ سنة، وقيل‏:‏ ما يعد طولا في العادة، وفي الكتاب‏:‏ قيل‏:‏ لها نصف الصداق لعدم الوطء، وإن ادعت الوطء في دخول البناء كمل الصداق، وقال ابن يونس‏:‏ قيل‏:‏ يقبل قول جملة النساء حتى الصغيرة ‏(‏إذا بلغت الوطء لا كلام في ذلك للأب ولا للوصي؛ لأنه لا يعرف إلا من النساء فيقبل‏)‏ قولهن كالحيض والسقط، وقال سحنون‏:‏ لا يقبل قول البكر والأمة في عدم الوطء بل يكمل الصداق لعدم قبول قول المحجور عليه في المال، قال محمد‏:‏ وعليها اليمين في دعوى الوطء في دخول الاهتداء، فإن نكلت حلف الزوج، وعليه نصف الصداق، والخلوة كالشاهد، قال مالك‏:‏ إن تعلقت به وهي تدمي‏:‏ فالصداق بغير يمين؛ لأنها أفضحت نفسها، وذلك عظيم، وقال أيضا عليها اليمين، والتعلق كالخلوة كالشاهد، وفي الكتاب‏:‏ إذا خلا بها في بيت أهلها من غير دخول بناء صدق في عدم الوطء، ويشطر الصداق، فإن أقر بالوطء كمل الصداق واعتدت، ولا رجعة له، فإن الأقارير تقبل على المقرين لا لهم، ولا على غيرهم، ولو كان معها نسوة شاهدنه قبل وانصرف فلا عدة ولا يكمل الصداق، وإن أقر بالوطء بعد الطلاق من غير خلوة، وكذبته فلا عدة لعدم تحقق سببها، ولها جملة الصداق لإقراره، وإن خلا بها مع نسوة ثم طلقها فادعى الوطء وأنكرته فلا عدة، قال ابن يونس‏:‏ قال مالك‏:‏ القول قول المرأة خلا بها في بيته أو بيتها لقول عمر - رضي الله عنه - وقيل‏:‏ القول قول الثيب، والبكر ينظر إليها النساء، فإن رأين افتضاضها صدقت، وإلا فلا، قال محمد‏:‏ الأصل قبول قولها في الصداق دون العدة والرجعة، وفي الجواهر‏:‏ في خلوة الزيارة ثلاثة أقوال‏:‏ قوله الزائر منهما، وهو المشهور؛ لأن الزائر يمنعه الحياء

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ في كتاب النفقات‏:‏ قال أبو بكر بن عبد الرحمن‏:‏ إذا فقد غائبا عن امرأته وهي بكر، قال ابن القاسم‏:‏ لها الصداق كاملا؛ لأنه لو كان معها وامتنع من الدخول لزمه، وهذا لا اختلاف فيه، وإنما الخلاف في امرأة المفقود إذا طلقت بعد الكشف عنه، واعتدت عدة الوفاة له، وتأخر كمال الصداق، فإن قدم لا يأخذ منها شيئا عند مالك وابن القاسم، وقيل‏:‏ ترد نصفه لعدم الدخول وعدم الموت‏.‏

فرع‏:‏

قال صاحب البيان‏:‏ إذا دخل بها غصبا إن كانت صغيرة صدق، وتشطر الصداق إلى أن تبلغ فتحلف ويكمل، فإن نكلت لم يحلف الزوج ثانية، وإن نكل كمل، ولا يحلف إذا بلغت، وقيل‏:‏ لا يحلف إذا كانت صغيرة، وروي عن ابن معدل‏:‏ لا يحلف وإن كانت كبيرة، بل يجب الصداق بمجرد الخلوة‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا افتضها بيده وأمسكها فلا أدب ولا أرش؛ لأنه أفسد على نفسه ماله إفساده، ويكمل الصداق، ولو فارقها فعليه الأرش؛ لأنه أفسد عليها، وقال ابن القاسم‏:‏ أيضا ذلك كالوطء يكمل به الصداق، وفي غير امرأته يؤدب‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إن قال‏:‏ إن تزوجتك فأنت طالق، فتزوجها فطلقت باليمين، فلها نصف الصداق، فإن دخل‏:‏ قال مالك‏:‏ يكمل لها الصداق، وقال ابن نافع‏:‏ صداق الدخول، ونصف صداق اليمين؛ لأنه دخل بها ثانية معتقدا أنها زوجته كما وقع في المدونة في الأختين يتزوجهما أخوان، فيدخل كل واحد منهما بغير امرأته فيفرقون، وعلى كل واحد صداقان صداق امرأته وصداق التي دخل بها؛ لأنه يعتقد أنها امرأته‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إن دخل بها محرمة أو حائضا أو صائمة في رمضان، واختلفا في الوطء صدقت؛ لأن الخلوة شاهد لحث الطمع على مخالفة الشرع بخلاف مدعي الحرام في غير هذا‏.‏

الفصل الحادي عشر‏:‏ في التقرير

وفي الجواهر‏:‏ لا يتقرر شيء بالعقد على المشهور، بل يتقرر النصف بالطلاق والدخول، والموت يقرر الكل، وقيل‏:‏ نصفه بالعقد والدخول، والموت مكمل، وقيل‏:‏ جميعه بالعقد، والطلاق مسقط للنصف، وقاله ‏(‏ش‏)‏، وابن حنبل‏.‏

قواعد‏:‏ الأصل في الأعواض وجوبها بالعقود، فإنها أسبابها، والأصل ترتب المسببات على الأسباب فمن لاحظ ذلك أوجب الجميع بالعقد كثمن المبيع، ومن لاحظ أن العوض في النكاح إنما هو شرط في الإباحة لا مقابل للعضو، وشأن الشرط أن لا يعتبر إلا عند تحقق المشروط، والمشروط هو المقتضي له على التحقق فلا يتقرر شيء إلا عند الدخول أو الموت؛ لأن الصداق إنما التزم إلى قصر الزوجين، ويدل على أنه مطلوب للإباحة لا لمقابلة منافع العضو‏:‏ عدم تقرير المنافع، وليس المطلوب الوطأة الأولى فقط؛ لأنها ليست غرض العقلاء في بذل الصداق، وإنما الشرع أوجب بها الصداق لتحقق أصل الإباحة، ومن لاحظ قاعدة أخرى، وهي‏:‏ أن ترتب الحكم على الوصف يدل على سببيته له، وقد قال تعالى‏:‏ ‏(‏وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم‏)‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 237‏)‏ فرتب النصف على الطلاق، فيكون سببه أوجب النصف بالطلاق‏.‏

الفصل الثاني عشر‏:‏ في التشطير

في الجواهر‏:‏ سببه اختيار الزوج الطلاق قبل المسيس في تسمية أو فرض صحيحين‏.‏

فرع‏:‏

في البيان‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ إذا أصدق جارية فلا يتزوجها قبل البناء بالزوجة؛ لأنه شريك فيها، وعلى القول أنها إذا ماتت قبل البناء رجع بالقيمة عليها، واختصت بمصيبتها له تزويجها، وإن بنى بها جاز التزويج لحصول الملك، وكرهه ابن كنانة مراعاة لقول من يرى أن له شبهة في مال امرأته، ولأنه لا يحد إذا زنى بأمتها‏.‏

الفصل الثالث عشر‏:‏ فيما يوجب سقوطه

وفي الجلاب‏:‏ إذا اعتقت فاختارت نفسها قبل البناء سقط؛ لأن النصف إنما وجب بغير مسيس جبرا لكسر الطلاق، وهي المختارة له، فلا كسر فلا جبر، وكذلك إذا خير امرأته فاختارت نفسها، ‏(‏وكذلك إذا ملكها فطلقت قبل البناء‏)‏، وكذلك إذا ارتدت، ويتخرج فيها رواية بأن لها النصف نظرا لأن الردة ليست اختيارا للفراق بل إيثارا للدين، وتقع الفرقة تبعا، ولاحظ الأول‏:‏ أنهما مغلوبان على الفراق كالرضاع، ولو لاعنها قبل الدخول سقط؛ لأن الفرقة بلعانها، ولو خالعها على شيء من مالها، وسكت عن الصداق قبل البناء سقط؛ لأن العدول عنه يدل على الرضا باندراجه في عوض الخلع، وإذا ضمن سيده الصداق ثم دفعه لها في الصداق انفسخ النكاح وسقط الصداق؛ لأنها مختارة للمعاوضة، وكذلك لو ردها بالعيب؛ لأن الرد من سببها، وفي الجواهر‏:‏ فيه خلاف‏.‏

الفصل الرابع عشر‏:‏ في التنازع فيه

وفي الكتاب‏:‏ إذا تنازع الزوجان في مقداره بعد الطلاق، وقبل البناء فالقول قوله مع يمينه؛ لأن الأصل براءة الذمة، فإن نكل حلفت وأخذت مدعاها، وكذلك إن ماتت قبل البناء فادعى ورثتها تسميته والزوج تفويضا، ولو اختلفا قبل البناء من غير موت ولا طلاق، فالقول قولها؛ لأن بضعها بيدها فلا يجب عليها تسليمه إلا بما ترضى، فإن وافقها الزوج، وإلا تحالفا وتفاسخا كالبيع، ولا صداق لعدم التقرر، وأما بعد البناء فالقول قول الزوج مع يمينه؛ لأنها مكنته وتدعي شغل ذمته، والأصل براءتها، وإن تنازعا في التسليم أو ورثتها فلا قول للمدخول بها ولا لورثتها، وإلا فالقول قولها وقول ورثتها، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ إذا تنازعا في المقدار فرض صداق المثل؛ لأنه الأصل حتى يثبت غيره، وإن تنازعا في قبض المؤجل، وقد بنى بها بعد الأجل صدق، وإن بنى بها قبل الأجل صدقت؛ لأن الظاهر قبضه بعد الأجل، والأصل عدم قبضه قبل الأجل، وقال ‏(‏ش‏)‏ و‏(‏ح‏)‏‏:‏ القول قول المرأة في عدم القبض بعد البناء مطلقا عملا بالأصل، قال أبو الطاهر‏:‏ ولو وقع بعد الطلاق فالقول قول الزوج على كل حال؛ لأنه تدعى عليه غرامة ينكرها، وقال ابن يونس‏:‏ قال محمد‏:‏ تحلف الثيب في الاختلاف قبل البناء، ويحلف أبو البكر كان الاختلاف في المقدار أو في النوع ويتحالفا وينفسخ النكاح، ويبقى زوجين بعد البناء والتحالف، وإن اختلفا في المقدار ردت المرأة إلى صداق المثل إلا أن يرضيا بما ذكرت، وإنما حلف الأب في البكر؛ لأنها لا تتصرف في الصداق، قال أبو عمران‏:‏ إن تحالفا قبل البناء ثم أراد أحدهما الرضا بما قاله الآخر صح، ويجري هاهنا الاختلاف الذي في البيع، وإتيان أحدهما بما يشبه، وقيل‏:‏ لا يراعى ذلك احتياطا للفروج، وقال سحنون‏:‏ إذا قالت‏:‏ تزوجتك على أبي، وقال‏:‏ بل على أمك، وهو يملكهما تحالفا وتفاسخا قبل الدخول، وتعتق الأم لإقراره، وكذلك إن نكلا، وبعد الدخول يحلف وتعتق الأم، فإن نكل حلفت وعتق الأب، وقال‏:‏ وهو خلاف ما تقدم أنها يكون لها صداق المثل، قال بعض أصحابنا‏:‏ إن اختلفا بعد الدخول في قبض المال، وهو مكتوب في كتاب فالقول قولها؛ لأن الأصل أخذ الوثيقة عند الدفع، قال اللخمي‏:‏ اختلف في أربعة مواضع هل يبدأ بالمرأة أو بالزوج، وهل تحالفهما فسخ كاللعان أو حتى يتفاسخا، وهل نكولهما كأيمانهما أو يعود القول قول من نكل منهما أولا، وهل يعتبر إتيان أحدهما بما يشبه أم لا‏؟‏ فقال سحنون‏:‏ التحالف فسخ، وقال ابن حبيب‏:‏ الزوج بالخيار في التزام ما ادعت وتركه، وعلى هذا يكون للزوجة أن ترضى بما حلف عليه، وإذا اختلفا في جنسه تحالفا وتفاسخا؛ لأنه ليس أحد الجنسين أولى من الآخر، وقال ابن القصار‏:‏ بل القول قول الزوج بعد البناء؛ لأنها سلمت بضعها، والأصل‏:‏ براءة الذمة مما تدعيه‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ فإن أخذت بالصداق رهنا، وسلمته فالقول قول للزوج لتسليمه، وقال يحيى‏:‏ القول قولها مع يمينها؛ لأن الأصل عدم القبض‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ فإن أخذت حميلا وأقرت بالقبض، واختلف الزوج والحميل أيهما دفع، واتفقا على قبض المرأة فالقول قول الزوج مع يمينه، فإن نكل حلف الحميل ورجع عليه، ولا يمين على المرأة، وإن دفع كل واحد منهما بغيبة صاحبه سئلت المرأة أيهما الدافع، فإن قالت‏:‏ الزوج، حلفت للحميل، ولا مقال بين الزوج والحميل، فإن نكلت حلف الحميل، ورجع عليها، وإن قالت‏:‏ الحميل، فالقول قول الزوج في الدفع؛ لأنه يقول‏:‏ لم أقبض ما اشتريت حتى دفعت ما علي ولم يدفع أحد عني شيئا، ويحلف أيضا للحميل‏:‏ ما أعلم أنك دفعت قبل دفعي شيئا، فإن نكل برئ الزوج، وغرمت للحميل، وإن حلف لها، ونكل الحميل حلف الحميل‏:‏ إنك تعلم دفعي قبل دفعك، وترجع عليه، فإن نكل فلا شيء له على الزوج، وإن قالت قبل البناء‏:‏ لم أقبض منهما شيئا، وادعيا دفع واحد منهما حلفت يمينا واحدة، وأخذت من الزوج، إلا أن يكون معسرا فمن الحميل، وإن ادعيا دفعهما مفترقين حلفت لهما يمينين، فإن حلفت للحميل ونكلت للزوج، حلف الزوج وبرئ، ولا شيء للحميل على الزوج إذا لم يدع العلم، وإن حلفت للزوج، ونكلت للحميل‏:‏ حلف ورجع على الزوج؛ لأن يمينها للزوج يوجب لها الصداق عليه، ويمين الحميل عند نكولها يوجب أن يكون الحميل هو الدافع، وإن حلفت لهما وادعى الحميل علم الزوج بدفعه عنه بوجه جائز، حلف الزوج، فإن نكل حلف الحميل ورجع عليه، وفي الجواهر‏:‏ إن اختلفا في القبض واستقرت عادة صير إليها، والقول قولها، إلا أن تكون مدخولا بها فالقول قوله، واختلف في معناه، قال أبو اسحق‏:‏ ذلك ببلد عادتهم التعجيل قبل البناء، فأما في غيره فالقول قول المرأة؛ لأن الأصل عدم القبض، وقال عبد الوهاب‏:‏ إنما هو حيث لم تكتب وثيقة، وقال أبو الوليد‏:‏ إنما ذلك لأن معظم البلاد عادتهم التعجيل بحمل الجميع على الغالب‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ قال أبو بكر بن عبد الرحمن‏:‏ إذا ادعى أن الولي شرط لها شرطا وعطايا، وأنكر الولي، ونكل عن الحلف‏:‏ حلف الزوج ورجعت إلى صداق المثل، وإن كان حلفه على ما يستحقه غيره لحقه في ذلك، ويرجع بما زادت التسمية على صداق المثل على وليها، قال ابن يونس‏:‏ وأرى إن حلف الزوج أن يستحق الشرط لامرأته؛ لأنه كالوكيل لها، والوكيل يحلف في معاملته، وأما قوله‏:‏ يرجع بالزائد‏:‏ يشكل بما إذا كان أكثر من التسمية، فإنه لا يزاد عليه لدعواه‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ إذا ادعت ألفين بعقدين، وشهدت البقية بهما لزما، وقدر تخلل الطلاق بينهما، ثم هل يقدر بعد المسيس، ويكون على الزوج بيان أنه قبله، أو قبله وعلى المرأة بيان أنه بعده يستقر لها الكل‏؟‏ خلاف مبني على استقرار الصداق بالعقد أم لا‏.‏

النظر الثاني‏:‏ في الصداق الفاسد

ولفساده سبعة أسباب‏:‏ السبب الأول‏:‏ الشغار، وفي التنبيهات‏:‏ أصله في اللغة‏:‏ الرفع، من قولهم‏:‏ أشغر الكلب برجله إذا رفعها ليبول، ثم استعملوه فيما يشبه، فقالوا‏:‏ أشغر الرجل المرأة إذا فعل ذلك بها للجماع، وأشغرت هي إذا فعلته، ثم استعملوه في الجماع بغير مهر إذا كان وطئا بوطء في قولهم‏:‏ أنكحني وليتك، وأنكحك وليتي بغير مهر، وفسر ذلك في الحديث بذلك، وقيل‏:‏ سمي بذلك لخلوه عن الصداق من قولهم‏:‏ بلد شاغر إذا خلت، قال‏:‏ وهو حرام إجماعا، وفي الموطأ‏:‏ نهى - عليه السلام - عن الشغار‏:‏ أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته وليس بينهما صداق‏.‏

قال أبو الطاهر‏:‏ قيل‏:‏ التفسير منه - عليه السلام - وعليه الأكثرون، وقيل‏:‏ من نافع راويه، وله ثلاث صور‏:‏ أن يعرى عن الصداق، ففساده في عقده، وأن يسمى لكل واحدة منهما، ففساده في صداقه، فيجري الخلاف في إمضائه بالعقد، وأن يسمى لإحداهما فقط، ويتصور في المجبورة على النكاح، والجمهور على تصويره في غيرها، ولمالك‏:‏ أن الشغار كله يمضي بمجرد العقد، وفي التنبيهات‏:‏ اختلف أصحابنا في علة تحريمه‏:‏ هل هي جعل على بضع كل واحد منهما صداق الأخرى، فيكون للزوج شريك في امرأته، ولذلك فسخ على المشهور قبل البناء، وبعده لكون الفساد في العقد أو عدم الصداق، وعلى هذا يفسخ قبل فقط، وقيل‏:‏ يمضي بالعقد لوقوع الموارثة، والحرمة فيه إجماعا، وقاله ‏(‏ح‏)‏، ويستحق مهر المثل، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ فاسد ويفسخ، قال ابن حنبل‏:‏ الشغار فاسد، ويصح منه وجه الشغار، وهو الصورتان الأخيرتان، واتفق الجميع على المنع ابتداء‏.‏

والخلاف بعد إما؛ لأن النهي يقتضي الفساد، أو لا يقتضيه، أو لأن الفساد في الصداق لا في العقد‏.‏

تفريع‏:‏ في الكتاب‏:‏ إذا قال‏:‏ زوجني ابنتك على أن أزوجك ابنتي، ولا مهر بينهما يفسخ، ولو ولدت الأولاد، وللمدخول بها صداق المثل لا غير، ولا شيء لغير المدخول، وإن قال‏:‏ زوجني ابنتك بمائة على أن أزوجك ابنتي بمائة، وهو وجه الشغار، ويفسخ قبل البناء فقط، ولهما الأكثر من التسمية أو صداق المثل لجمعهم في الصداق جائزا وحراما، وإن سمي لأحدهما فقط ثبت نكاح المسمى لها بعد الدخول ويفسخ الآخر، ولهما صداق المثل، قال ابن يونس‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ في صريح الشغار أحب إلي فسخه بطلاق، وقال في غير الكتاب‏:‏ إذا سمي لها كما تقدم، فلها صداق المثل إلا أن يزيد على المسمى، قال صاحب المنتقى‏:‏ قال أبو حازم‏:‏ إذا وضع من صداق موليته ليضع الآخر عنه في وجه الشغار‏:‏ إنه جائز‏.‏

السبب الثاني‏:‏ كونه مما لا يجوز بيعه لعينه كالخمر، أو لغرره كالآبق، أو دار فلان على أن يشتريها لها، ففي الكتاب‏:‏ يفسخ قبل البناء، ويثبت بعده بصداق المثل، ويرد ما قبضت من الغرر، وإن هلك بيدها ضمنته، وإلا فلا، فإن تغير في يديه أو سوقه فهو فوت تضمنه بالقيمة يوم القبض، والمثلي بالمثلي، وكذلك كل ما فساده في صداقه؛ لأن المقصود من النكاح المواصلة دون التنمية للمال فتأثيره فيه ضعيف بدليل نكاح التفويض، ولو وقع مثله في المبيع لم يجز، قال ابن يونس‏:‏ وروي عنه يفسخ بعد البناء؛ لأن الصداق أحد أركان العقد، وقال ‏(‏ش‏)‏، و‏(‏ح‏)‏‏:‏

لا يفسخ مطلقا، ومن الأصحاب من حمل الفسخ قبل البناء على الندب، قال ابن القاسم‏:‏ ويجوز بالعبد البعيد الغيبة كمسيرة الشهر على الصفة، والضمان من الزوج، ولا يدخل حتى تقبضه، وإن قدم ربع دينار؛ لأن النقد في البعيد لا يجوز، ويدخل في القريب قبل القبض، وإذا هلك القريب فلها قيمته على تلك الصفات؛ لأنه من المتقومات، وقيل‏:‏ مثله في الصفة كالمسلم، وإن مات في يدها فعلمت فيه عيبا كان عند الزوج غرمت قيمة العبد معيبا يوم القبض، وترجع بمثله في صفته، وفيه اختلاف، قال عبد الملك‏:‏ إن تزوج امرأة بثمرة لم يبد صلاحها فأجيحت كلها فهي من الزوج، ولها قيمة الثمرة، وقال ابن القاسم‏:‏ المصيبة من المرأة بخلاف البيوع؛ لأن النكاح مكارمة‏.‏

فرع‏:‏

قال صاحب المنتقى‏:‏ إذا تزوجها بمغصوب ماله فيه شبهة كالابن الصغير في ولايته، لم يختلف أصحابنا أن الأب إن كان ميسورا كان للزوجة، كما لو اشتراه لنفسه، واتبع بالقيمة، أو مثلها في المثليات أو معسرا فروي عن مالك هو للمرأة، ومنع مطرف كالاستهلاك، وإذا قلنا هو للابن، قال عبد الملك‏:‏ بعد الدخول، قال مطرف‏:‏ بل للمرأة بالدخول؛ لأن المعاوضة قد تمت باستيفاء البضع، قال ابن حبيب‏:‏ وهذا ما لم يمنعه الإمام من التزويج بمال ابنه، وإلا فحينئذ الابن أحق بها اتفاقا، وإن كان كبيرا لا ولاية عليه انتزع من المرأة، فإن فقد فلا شيء له عليها إلا أن يكون طعاما أكلته أو ثوبا لبسته، قال ابن القاسم‏:‏ علمت بهم أم لا كالابتياع من الغاصب، فإن لم يكن له فيه شبهة كالسرقة ثبت النكاح عند سحنون‏.‏

وإن جهلت فسخ قبل البناء فقط، وخرج أبو الطاهر الصحة مع العلم من الخلاف فيما اشتري من غاصب وهو يعلم، وفي الجواهر‏:‏ إن تزوج بمغصوب، قال ابن القاسم‏:‏ لا ينفسخ النكاح، وإن تعمد ذلك، وعليه مثله إن كان مثليا أو قيمته إن كان قيما، وقيل‏:‏ أيضا يغرم المثل، وقيل‏:‏ صداق المثل، وهذه الأقوال فيما إذا أصدقها معيبا فاختارت رده، وقال عبد الملك‏:‏ يفسخ في المغصوب قبل البناء‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ قال إذا تزوج على مائة وخمسين لم يكن عليه سوى خمسين؛ لأنها المحققة‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا كان الصداق مؤجلا لموت أو فراق فسخ قبل البناء للجهالة بالأجل، وثبت بعده ولها صداق المثل نقدا كقيم المتلفات، ولمالك‏:‏ لها قيمة المؤجل، قال ابن القاسم‏:‏ ولا يعجبني؛ لأن القيمة فرع الثبوت، قال صاحب النكت‏:‏ قال غير واحد من القرويين‏:‏ إذا تزوجها بمائة نقدا أو مائة إلى أجل أو مائة إلى موت أو فراق ودخل،وروعي صداق المثل يقال كم صداق هذه المرأة على أن فيه مائة مؤجلة، فإن كان أقل من مائتين لم ينقص منهما، ويعطي مائة معجلة ومائة إلى أجل، وإن زاد أعطيت الزائد معجلا، واختلف في الزائد على الثلاثمائة هل يسقط أو يكون لها‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ لا يجوز على حميل تعينه غائب؛ لأنه إن لم يرض فلا نكاح، وإن قال‏:‏ إن لم يرض أتيت برهن أو بغيره، جاز‏.‏

فرع‏:‏

قال صاحب البيان‏:‏ إذا جعل عتقها صداقها منعه مالك؛ لأنه نكاح بغير صداق، ويفسخ قبل الدخول، ويثبت بعده بصداق المثل، قال‏:‏ والأظهر أن فساده في عقده؛ لأن اللفظ يقتضي وقوعهما معا، والنكاح والملك لا يجتمعان، وقيل‏:‏ شرط عليها ما لا يلزمها بعد العتق، فإن رضيت به بعد العتق جاز، وإلا فلا نكاح، ولا يحتاج إلى فسخ، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ يجوز جعل عتقها صداقها، وهي بالخيار، فإن امتنعت فعليها قيمة نفسها، وألزمها ابن حنبل النكاح إذا اتفقا على ذلك بخلاف إذا قال‏:‏ أعتق على أن تتزوجي بي، ويكون العتق صداقها فلا يلزم؛ لأنه سلف في النكاح، والنكاح لا سلف عليه، ووافقنا ‏(‏ح‏)‏ في المنع، وفي الصحيحين أنه - عليه السلام - جعل عتق صفية صداقها، وجوابه‏:‏ أنه خاص به - عليه السلام - كالموهوبة، ويؤيده أن العقد إن وقع قبل العتق ناقضه الملك أو بعده امتنع الإجبار، ولأن العتق إن تقرر لها حالة الرق تناقض، أو حالة الحرية والصداق يتقدم تقديره قبل العقد، فيقع العقد حالة امتناع الإجبار مجبرا، وهو محال فيتعين اختصاصه به - عليه السلام - ‏(‏وقاله الرواة ما لم ير صداق، ويكون نكاح تفويض أو بغير صداق، وهو جائز له صلى الله عليه وسلم‏)‏، وفي التلقين‏:‏ إن أعتق أمته على أن تتزوجه بعد العتق لم يلزمها ذلك، وإن شرط أن عتقها صداقها لم يصح، ولزمه الصداق‏.‏

فرع‏:‏

قال صاحب البيان‏:‏ إذا أعطاها مالا فاستحق‏:‏ فهل تمنعه من التمادي على وطئها حتى يوفيها حقها‏؟‏ أربعة أقوال‏:‏ له ذلك غرها أم لا، الفرق بين أن يغرها أم لا يكره التمادي، قاله محمد، تمتنع حتى يعطي ربع دينار إن استحق جميعه، وإلا فلا، فإن تزوجها على بستان عشرة فدن فظهر خمسة، قال ابن القاسم‏:‏ لها قيمة الخمسة إن رضيت إمساكه، ولو ردته فقيمة جميعه على أنه عشرة كالاستحقاق، قال‏:‏ والقياس أن لها الرد وصداق المثل أو التماسك، ونصف صداق المثل قياسا على البيع‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إن تزوجها بمال حرام، قال مالك‏:‏ أخاف أن يكون زنا؛ لأن الله تعالى يقول‏:‏ ‏(‏أن تبتغوا بأموالكم‏)‏ ‏(‏النساء‏:‏ 24‏)‏، وهذا ليس ماله، ولكني لا أقول ذلك‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ إذا تزوجها على خل فوجد خمرا‏:‏ فهو كظهور العيب ترده، وترجع بمثله كالاستحقاق، وقال سحنون‏:‏ إذا تزوجها بعبد فظهر حرا فالنكاح فاسد لخلو العقد عن الصداق، فإن تزوجها على أنه خمر فوجد خلا صح النكاح إن رضيا بالبقاء عليه، وإن كره أحدهما لم يتم النكاح، قال صاحب النكت‏:‏ إذا قلنا بالمثل إذا وجدت خمرا فتلفت القلة غرم القيمة، وكذلك إذا تزوجها بطعام معين على الكيل فاستحق أو شيء مما يؤكل أو يوزن بخلاف البيع؛ لأن استحقاق المعين لا يفسخ النكاح، وقال صاحب التنبيهات‏:‏ رجوعها بمثل الخمر خلا إما بأن تغسل الجرة ثم تملأ أو تعرف ما تحمل من الماء ثم يكال مثله، وقال ابن سحنون فيه القيمة كالجزاف، وقال ابن عبد الحكم لها صداق المثل؛ لأنه معدوم شرعا فهو كنكاح بغير شيء‏.‏

السبب الثالث‏:‏ كونه منافع الزوج، كخدمتها مدة معلومة أو تعليمها القرآن‏.‏

وفي الجواهر‏:‏ منعه لمالك‏:‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏أن تبتغوا بأموالكم‏)‏، وقاله ‏(‏ح‏)‏، وأجازه أصبغ، و‏(‏ش‏)‏، وابن حنبل لقوله - عليه السلام - في مسلم‏:‏ ‏(‏زوجتكها بما معك من القرآن‏)‏، أي‏:‏بتعليمك إياها، وجوابه‏:‏ أنه إن كان إجارة فهي باطلة لعدم تحديد المدة أو جعالة، وهي في مثل هذا مع عدم تحديد المدة لا تصح، ولأن الجعالة غير لازمة، والنكاح لازم بل يجب أن يعتقد أنه لما تعذر الصداق بالعجز جعل - عليه السلام - حفظه القرآن فضيلة توجب تزويجه، وأخر الصداق في ذمته تفويضا كما زوج أبو طلحة أم سليم على الإسلام، والإسلام لا يكون صداقا بل تفويضا‏.‏

تفريع في الجواهر‏:‏ كرهه ابن القاسم، فإن وقع مضى في قول أكثر الأصحاب، وروي عن ابن القاسم‏:‏ إن لم يكن مع المنافع صداق فسخ قبل البناء، وثبت بعده، ولها صداق المثل، وتبطل الخدمة المقدمة، فإن خدم رجع بقيمتها، وكذلك إن وقع على إحجاجها، قال ابن حبيب وغيره‏:‏ يجوز على أن ترجع إلى إحجاج مثلها ولها الوسط من ذلك، كما لو تزوجها على شورة، ومنعته من الدخول حتى يحجها، أو يعطيها نفقة مثلها في الحج، فيكون ذلك صداقها إن شاءت حجت أم لا، وقال اللخمي‏:‏ الأحسن الجواز في ذلك كله، وإنما كره مالك ذلك؛ لأنه يستحب أن يكون الصداق معجلا، والمنافع تقتضي التأجيل وكل من تزوج بشيء فهو حال‏.‏

فإذا حل زمن الحج تعين، ومنع ابن القاسم البناء حتى يقدم ربع دينار، وقال أشهب‏:‏ لا يلزم كمن تزوج بمائة إلى سنة، وإن أتى زمن الحج قبل البناء فلها منع نفسها حتى يحجها كالمؤجل يحل قبل البناء‏.‏

السبب الرابع‏:‏ تفريق الصفة فيصدقها عبدا يساوي ألفين على أن ترد ألفا، فنصفه مبيع ونصفه صداق، منعه في الكتاب، وقال‏:‏ يفسخ قبل البناء، ولها بعده صداق المثل؛ لأن ما يخص البيع أو النكاح مجهول فيؤدي إلى النكاح بالمجهول، وإلى عرو النكاح عن الصداق، قال أبو الطاهر‏:‏ في النكاح والبيع أربعة أقوال‏:‏ ثالثها‏:‏ الكراهة، ورابعها‏:‏ إن بقي بعد ثمن السبعة ربع دينار جاز، وقال ابن الكاتب‏:‏ إن اعتبر قبل البناء جاز اتفاقا، وجوزه ابن حنبل؛ لأن كل واحد يجوز العقد عليه مفردا فيجوز مجتمعا كالسلعتين‏.‏

قاعدة‏:‏ العقود أسباب لاشتمالها على تحصيل حكمها في مسبباتها بطريق المناسبة، والشيء الواحد بالاعتبار الواحد لا يناسب المتنافيين، فلذلك لا يجتمع النكاح والبيع لتضادهما في المكايسة والمسامحة، ولا يجتمع مع البيع عقود يجمعها قولك‏:‏ ‏(‏جص مشنق‏)‏ الجيم للجعالة، والصاد للصرف، والميم للمساقاة، والشين للشركة، والنون للنكاح، والقاف للقراض لتضاد أحكامها، وفي الجواهر‏:‏ لو كانت السلعة لغيرك فسخ أيضا؛ لأنه من باب جمع السلعتين لرجل، وكذلك لو تزوجها بمال معلوم على أن أعطاها الأب دارا، فأما لو تزوجها على غير مسمى على أن أعطاها الأب دارا صح؛ لأن الدار هاهنا هبة محضة‏.‏

السبب الخامس‏:‏ الشرط في الكتاب‏:‏ إذا تزوجها بألف، وإن كانت له امرأة فألفان لم يجز كالغرر، أو وضعت بعضه في العقد على أن لا يخرجها من بلدها، وإن أخرجها فمهرها ألفان فله إخراجها، وليس لها إلا ما تقرر كالقائل‏:‏ إن أخرجتك من الدار فلك ألف، فإن حطت عنه بعد العقد لذلك فلها الرجوع لتعينه لها بالعقد، وروي عن مالك‏:‏ إن حطت في العقد من صداق مثلها لها الرجوع، وإلا فلا، قال ابن يونس‏:‏ قال مالك‏:‏ إذا قرر قبل الملك ستين، ووضع عنه عند العقد عشرين لأجل الشرط فلها الرجوع، وإنما الذي يرجع به أن يقول أتزوجك بمائة ثم أضع خمسين، فإن طلقها في القسم الأول‏:‏ قبل البناء فليس لها إلا نصف ما بقي بعد الشرط؛ لأنه لم يخالفه، وفي الكتاب‏:‏ وإن أعطته مالا لشرط وإن خالفه فهي طالق فخالفه لم ترجع بشيء؛ لأنها آثرت طلاقها به، قال اللخمي‏:‏ إن تزوجها بمائة وإن أخرجها من بلدها فمائتان، فأخرجها فلها‏.‏

المائتان لقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏إن أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج‏)‏، وقال مالك مرة‏:‏ لها الأقل من صداق المثل أو المائتين، قال‏:‏ وهو أقيس، قال مالك‏:‏ إذا اشترطت السكنى عند أبيها بمال اشترطت ما لا يباع، وترجع به، وإن اشترطت إن لم يأت بالصداق في وقت كذا، فلا نكاح بينهما فهل يبطل العقد أو الشرط، فيه خلاف، وإذا شرط في الصداق أنه لموت أو فراق، ‏(‏وفات بالبناء فقال مرة‏:‏ له صداق المثل، وقال مرة‏:‏ تتمة المسمى نقدا، فإن تزوجت بمائة نقدا أو مائة إلى موت أو فراق‏)‏، فقال‏:‏ صداق المثل مطلقا، وقال مرة‏:‏ ما لم ينقص عن المائة، وقيل‏:‏ ما لم ينقص عن المائة ويزيد على المائتين، وقيل‏:‏ يقوم بأجله ويختلف إذا كانت العادة بموت أو فراق، ولم يشترطوه هل يجوز وتأخذه متى أحبت‏؟‏ لأن الأصل الحلول والتأخير مكارمة، أو فساد للعادة، وفي الكتاب‏:‏ يكره النكاح بصداق بعضه مؤجل إلى سنة، وإن وقع جاز، وللزوج إذا أتى بالمؤجل الدخول، وتتأخر بقيته إلى الأجل، ويجوز في البعيد ما لم يتأخر، وفي الجواهر‏:‏ كره مالك وأصحابه تأجيل بعض الصداق، وجوزه ابن القاسم لأربع سنين، وابن وهب لسنة، وقال ابن وهب‏:‏ لا يفسخ إلا أن يزيد على عشرين سنة، وقال ابن القاسم‏:‏ لا أفسخ إلا الأربعين، وروي‏:‏ الستون، والمدرك‏:‏ أن الصداق قبالة الإباحة فلا ينبغي أن يتأخر عنها بخلاف الثمن في البيع، ومنهم من رأى الأجل القريب في حكم النقد، واختلفوا فيما يحل قريبا، فإن أخر بعضه إلى غير حد فسخه مالك قبل البناء لفرط الغرر، ويعطي صداق المثل بعد البناء معجلا، إلا أن يكون صداق مثلها أقل من المعجل فلا ينقض منه، أو أكثر من المعجل والمؤجل فيعطاه، إلا أن يرضى الزوج بتعجيل المؤجل أو المرأة بإسقاطه فلا ينفسخ، وإن شرط في بعض الصداق إلى يسره، وهو مولى، أو مطالبتها به أجازه ابن القاسم لحصول الملاة، وهو حال، وقال عبد الملك‏:‏ يفسخ النكاح قبل البناء، ولها صداق المثل لاشتراطه أجلا غير معلوم‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ لو شرط الخيار لها في الصداق في أحد العبدين صح، أو له فسخ قبل البناء، ولها بعده صداق المثل؛ لأنه لم يثبت أمر الصداق بخلاف إذا كان لها، ولو قال‏:‏ تزوجتها بألف على أن لأمها ألفا صح، وهما للمرأة؛ لأنها الباذلة للعوض‏.‏

السبب السادس‏:‏ أن يتضمن إثباته رفعه كما إذا زوج عبده، وجعل رقبته صداقا ففي الجواهر‏:‏ يفسد‏.‏

السبب السابع‏:‏ مخالفة الأمر فيما يسمى، ففي الجواهر‏:‏ لو قال زوجني بألف فزوجه بألفين، وعلى قول الزوج والتزويج بينة ولم يدخل، فإما أن يرضى بألفين، وإلا فلا نكاح؛ لأنها لم ترض إلا بهما، ولو التزم الوكيل الزائد لصحة العقد ففي إجبار الزوج قولان نظرا للمنة أو مراعاة للعقد، ولو رضيت بالألف لزم الزوج، ولو دخل فثلاثة أقوال‏:‏ لزوم الألف للزوج، والزائد للرسول؛ لأنه متعد، ويسقط الزائد عن الرسول؛ لأن الأصل أن لا يغرم إلا مستوفي المنفعة أو صداق المثل؛ لأن المرأة لم تدخل على الألف، والزائد على الرسول لتغريره بالقول، وإن لم يكن على قول الزوج، والعقد بينة، ورضي بالألفين لزم النكاح، وإلا إن رضيت الزوجة بالألف لزم، وإلا فلها أن تحلف الزوج، فإن نكل حلفت واستحقت الألفين وصح النكاح، وإن دخل، وتراضيا صح، وإلا فلا، فإن أقر الوكيل بالتعدي لزم الإتمام، وإلا فتحلف على أنه لم يأمر إلا بألف ويبرأ، فإن نكل غرمهما، قال‏:‏ وهذه يمين لا ترجع؛ لأنها يمين تهمة إلا أن تدعي المرأة تحقيقا فترجع وبلا خط‏.‏

قاعدة أخرى‏:‏ وهي أن من سلط على ماله خطأ هل تسقط الغرامة له التسليط أم لا، لأن المرأة سلطت على بضعها خطأ‏؟‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا نكل فهل له تحليف الرسول فإن حلف برئ وإلا غرم‏؟‏ فيه خلاف سببه هل يمين الزوج لتصحيح قوله فقط أو لذلك وإبطال قول الرسول‏؟‏ فعلى الأول‏:‏ يعد مقرا إذا نكل ولا يحلفه، وعلى الثاني‏:‏ له تحليفه، وأصل آخر‏:‏ هل النكول كالإقرار فلا يحلفه أو لا فيحلفه‏؟‏ وإن دخل فليس على الزوج إلا الألف ثم إن أقر الرسول بالتعدي فهل يغرم أم لا‏؟‏ خلاف، وإن أنكر وقلنا‏:‏ يغرم فللزوج تحليفه، فإن نكل حلف، واستحقت المرأة، وإن قلنا لا يغرم فلا شيء للزوجة، وإن كان على التوكيل بينة دون العقد ولم يدخل حلفت أن العقد بألفين، فإن رضي الزوج، وإلا له الفسخ، وإن نكلت صح بالألف إلا أن يكون الزوج علم ما وقع به العقد فيحلف، وإن كانت البينة على العقد دون التوكيل يحلف أن التوكيل لم يكن إلا بما قاله؛ لأن الأصل عدم الزائد، فإن حلف قبل الدخول، ورضيت المرأة صح، وإلا فلها الفسخ، وإن نكل فهي يمين لا ترجع إلا أن تدعي المرأة التحقيق، وهل له تحليف الوكيل إذا نكل الزوج على ما تقدم، واختار محمد عدم التحليف، فإن دخل حلف، ومضى النكاح بالألف، وإن نكل والمرأة تدعي تحقيق الدعوى عليه حلفت، وإلا فاليمين لا ترجع، ويختلف في تحليفه للوكيل على ما تقدم، هذا إذا لم يعلما بالتعدي، أما إن علم الزوج دونها فعليه الألفان لدخوله عليهما، أو هي دونه فمالها إلا ألف، أو هما جميعا، وعلم كل واحد منهما بعلم صاحبه فعليه الألفان أو لا يعلم أحدهما بعلم الآخر‏:‏ فلها الألفان، قال المتأخرون، وفيه نظر؛ لأن علمه معارض بعلمها فينبغي أن يكون لها ألف، ويقتسمان الأخرى، وإن علم بعلمها ولم تعلم بعلمه، فلها الألف فقط، أو علمت بعلمه ولم يعلم بعلمها فعليه الألفان؛ لأنهما على ذلك دخلا، وأصله أن كل واحد منهما يلزمه ما دخل عليه‏.‏

القطب الرابع‏:‏ العقد نفسه

وفيه تسعة فصول‏:‏

الفصل الأول‏:‏ في صيغته

وفي الجواهر‏:‏ هي لفظ يقتضي الملك على التأبيد كالنكاح، والتزويج، والتمليك، والبيع، والهبة ونحوها، قال القاضي أبو الحسن‏:‏ ولفظ الصدقة، وقال الأصحاب‏:‏ إن قصد بلفظ الإباحة النكاح صح، ويضمن المهر، ويكفي قول الزوج‏:‏ قبلت بعد الإيجاب من الولي، ولا يشترط قبلت نكاحها، ولو قال للأب في البكر أو بعد الإذن في الثيب‏:‏ زوجني، فقال‏:‏ فعلت، أو‏:‏ زوجتك، فقال‏:‏ لا أرضى، لزمه النكاح لاجتماع جزأي العقد، فإن السؤال رضا في العادة، وقال صاحب المقدمات إلا ينعقد إلا بلفظ النكاح أو التزويج دون غيرهما من ألفاظ العقود، وفي الهبة قولان‏:‏ المنع، كمذهب ‏(‏ش‏)‏، والجواز، كمذهب ‏(‏ح‏)‏؛ لأن الطلاق يقع بالصريح والكناية، فكذلك النكاح، ويرد عليه أن الهبة لا تنعقد بلفظ النكاح فكذلك العكس، وأن النكاح مفتقر إلى الصريح ليقع الإشهاد عليه، قال صاحب الاستذكار‏:‏ أجمعوا على أنه لا ينعقد بلفظ الإحلال والإباحة، فتقاس عليه الهبة، وقال صاحب القبس‏:‏

جوزه ‏(‏ح‏)‏ بكل لفظ يقتضي التمليك على التأبيد، ومالك بكل لفظ يفهم منه المتناكحان مقصدهما، وقال صاحب المنتقى‏:‏ قال عبد الوهاب‏:‏ ينعقد بكل لفظ يقتضي التمليك المؤبد كالهبة، والبيع، وزاد أبو الحسن لفظ الصدقة، وسواء ذكر الصداق في الهبة، والصدقة أم لا، وقال المغيرة‏:‏ لا ينعقد إلا بلفظ التزويج والنكاح، وقاله ‏(‏ش‏)‏؛ لأنهما المذكوران في القرآن‏:‏ ‏(‏ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء‏)‏ ‏(‏النساء‏:‏ 22‏)‏ ‏(‏فلما قضى زيد منها وطرأ زوجناكها‏)‏ ‏(‏الأحزاب‏:‏ 37‏)‏، ووافقه ابن حنبل، وأجابوا عما احتججنا به بما ورد في الحديث ملكتكها بما معك من القرآن رواه البخاري مع أن الحديث ورد بألفاظ مختلفة، والقصة واحدة فيستحيل اجتماعها بل الواقع أحدها، والراوي روى بالمعنى فلا حجة فيه ولم يستثن ‏(‏ح‏)‏ غير الإجارة، والوصية، والإحلال، وجوزه بالعجمية وإن قدر على العربية، والجواب بقوله‏:‏ فعلت‏.‏

قاعدة‏:‏ كل حكم شرعي لا بد له من سبب شرعي، وإباحة المرأة حكم فله سبب يجب تلقيه من السمع فما لم يسمع من الشرع لا يكون سببا، وعلى هذه القاعدة اعتمد ‏(‏ش‏)‏، والمغيرة، وهو ظاهر كلام صاحب المقدمات في النقل عن المذهب‏.‏

قاعدة‏:‏ الشرع كما ينصب خصوص الشيء سببا كرؤية الهلال، والزوال، والقتل العمد العدوان، فكذلك ينصب مشتركا بين أشياء ويلغي خصوصياتها كألفاظ الطلاق، فإن المقصود منها‏:‏ ما دل على انطلاقها من عصمة النكاح، وألفاظ القذف المقصود منها‏:‏ ما دل على النسبة إلى الزنا أو اللواط، وألفاظ الدخول في الإسلام المقصود منها‏:‏ ما دل على مقصود الرسالة النبوية، والنكاح عندنا على ما حكاه من تقدم ذكره من هذه القاعدة‏.‏

ويدل على ذلك أنه ورد بألفاظ مختلفة في الكتاب والسنة، والأصل عدم اعتبار الخصوص فيتعين العموم وهو المطلوب‏.‏

قاعدة‏:‏ يحتاط الشرع في الخروج من الحرمة إلى الإباحة أكثر من الخروج من الإباحة إلى التحريم؛ لأن التحريم يعتمد المفاسد، فيتعين الاحتياط له، فلذلك حرمت المرأة بمجرد عقد الأب، ولا تحل المبتوتة إلا بالعقد، والوطء الحلال، والطلاق، وانقضاء العدة، والعقد الأول، فلهذه القاعدة أوقعنا الطلاق بالكنايات، وإن بعدت حتى أوقعناه بالتسبيح والتهليل إذا أريد به الطلاق؛ لأنه خروج من الحل فيكفي فيه أدنى سبب، ولم يجز النكاح بكل لفظ بل بما فيه قرب من مقصود النكاح؛ لأنه خروج من الحرمة إلى الحل، وجوزنا البيع بجملة الصيغ والأفعال الدالة على الرضا ينقل الملك في العوضين؛ لأن الأصل في السلع الإباحة حتى تملك بخلاف النساء، ولعموم الحاجة للبيع، ولقصوره في الاحتياط عن الفروج، فإذا أحطت بهذه القواعد ظهر لك اختلاف موارد الشرع في هذه الأحكام، وسبب اختلاف العلماء، ونشأت لك الفروق والحكم، والله تعالى يهدينا سواء السبيل‏.‏

الفصل الثاني‏:‏ في الإشهاد عليه

قال صاحب المقدمات‏:‏ لا يجب في العقد ويجب للدخول، فإن دخل ولم يشهد أوفي نكاح السر فرق بينهما، وإن طال الزمان بطلقة لإقرارهما بالنكاح، وحد إن وطئ إلا أن يكون الدخول فاشيا أو يكون على العقد شاهد واحد فيدرأ الحد للشبهة، فإن أشهد شاهدين، وأمر بالكتمان فسخ قبل الدخول، وبعده على المشهور إلا أن يطول، وقيل‏:‏ لا يفسخ مطلقا، ووافقه صاحب المنتقى على الفسخ إذا لم يشهد على الدخول، وقال ذلك ذريعة للفساد، ومنع التغرير على الخلوة، وقال ابن القاسم‏:‏ إن لم يشهد إلا شاهدا واحدا فسخ، وتزوجها بعد الاستبراء بثلاث حيض، قال أبو الطاهر‏:‏ الإشهاد عندنا شرط في صحة الدخول دون العقد، ولم أجد أحدا من الأصحاب خالف في هذا، قال ابن الحاجب‏:‏ الفسخ بطلقة بائنة إذا لم يشهد على الدخول، واشترط الأئمة الشهادة في العقد لقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏لا نكاح إلا بولي وصداق وشاهدي عدل‏)‏، وجوابه‏:‏ من وجوه‏:‏ أحدها‏:‏ أن النفي دائر بين القضاء والفتوى، ولم ينص على أحدهما، فهو مطلق فيهما، ونحن نحمله على القضاء، فلا يحكم حاكم بصحة نكاح إلا ببينة، أما الحل فثابت بدون البينة، وثانيها‏:‏ أنه دائر بين العقد والدخول، ونحن نحمله على الدخول؛ لأن اللفظ فيه حقيقة وفيما ذكروه مجاز، والحقيقة مقدمة على المجاز، وثالثها‏:‏ أن الصداق مذكور مع عدم شرطيته في العقد، بدليل التفويض، فكذلك الشهادة قياسا عليه بطريق الأولى؛ لأن الصداق ركن داخل في الحقيقة، والبينة خارجة عن حقيقة العقد، ورابعها‏:‏ يحمل النفي على الكمال، وهو متفق عليه، ويؤيده ذكر الصداق، وهو معتبر في الكمال‏.‏

تفريع‏:‏ في الكتاب‏:‏ من عقد بغير بينة غير مسر أشهد الآن وجاز، ولا يتزوج الرقيق إلا بالبينة والصداق، وإن أشهد الأب وأجنبي على إذن الثيب في العقد وأنكرت لم يجز؛ لأن الأب شهد على فعل نفسه، وإن وجد رجل وامرأة في بيت فشهد أبوها وأخوها بعقدها لم يجز نكاحه ويعاقبان، وإن نكح مسلم ذمية بشهادة ذميين لم يجز، فإن لم يدخل أشهد الآن مسلمين ولزم النكاح‏.‏

تنبيه‏:‏ ظاهر المذهب يقتضي أن تحمل الشهادة في النكاح يشترط فيه شروط الأداء من الإسلام وغيره، وقاله ‏(‏ش‏)‏، واكتفى بمن ظاهره العدالة، ووافقنا ابن حنبل غير أنه جوز أن يكونا عبدين؛ لأن شهادة العبيد عنده تقبل، وسوى ‏(‏ح‏)‏ بين تحمل شهادة النكاح وغيره، فجوز شهادة الفاسقين؛ لأنهما قد يكونان عدلي عقد الأداء، لنا‏:‏ أن المطلوب في الحال دفع مفسدة التهمة بالزنى، والتغرير على الخلوة المحرمة، وإثبات نسب الولد، وذلك إنما يحصل بأهلية الأداء فتشترط‏.‏

الفصل الثالث‏:‏ في إظهاره

قال عليه السلام‏:‏ ‏(‏أعلنوا النكاح، واضربوا عليه بالغربال - ويروى - بالدفوف‏)‏ رواه الترمذي، قال ابن يونس‏:‏ قال محمد‏:‏ الغربال‏:‏ الدف المدور، وقال غيره‏:‏ هو المغشي من جهة واحدة، وقال مالك‏:‏ لا يستحسن المزهر المربع، ولا بأس بالدف والكبر، ولا يجوز الغناء في العرس ولا غيره إلا كما كان يقول نساء الأنصار، أو الرجز الخفيف من غير إكثار، قال اللخمي‏:‏ الإعلان مندوب إليه، وأوجبه ابن حنبل، ونكاح السر حرام، واختلف فيه، فقيل‏:‏ ما أمر الشهود يكتمانه وإن كثروا، وقيل‏:‏ ما عقد بغير شهادة ولو بامرأة وعلى الأول قال ابن الجلاب‏:‏ يعلن بعد ذلك ولا يفسخ، وقال ابن حبيب‏:‏ يفسخ بطلقة إلا أن يتطاول، وهو قول مالك وأصحابه، وإذا لم يؤمر الشاهدان بالكتمان فهو جائز اتفاقا، وقال الأئمة‏:‏ لا يفسخ نكاح السر، لنا‏:‏ نهيه صلى الله عليه وسلم عن نكاح السر، والنهي يدل على الفساد‏.‏

تفريع‏:‏ في الكتاب‏:‏ من استكتم البينة في العقد فسد، قال ابن شهاب‏:‏ وفرق بينهما ولو دخلا، ولها المهر بالبناء، وإلا فلا شيء لها، ويعاقب الزوجان، والبينة‏:‏ قال ابن يونس‏:‏ إذا قال لهم اكتموه عن امرأتي الأخرى، أوفي منزل العقد فقط، أو ثلاثة أيام ثم أظهروه فهو نكاح السر، قال أشهب‏:‏ إن فعل ذلك بعد العقد ولم يكن نواه عند العقد جاز، وقال أصبغ‏:‏ لا يفسد إذا أضمر ذلك كما لو تزوج، ونيته الفراق‏.‏

الفصل الرابع‏:‏ في لزومه

والخيار - عندنا - لا يشرع فيه ابتداء بخلاف البيع؛ لأن حكمة الخيار استدراك المصلحة الفائتة حالة العقد، والنكاح إنما يقع بعد الفحص، والأصل في العقود اللزوم، ولأنه يفضي إلى بذلة المخدرات، وذوات الأعيان بين القبول والرد، ولذلك أوجب الشرع لهن نصف الصداق قبل الدخول جبرا لكسر الرد، وأبطل الأئمة شرط الخيار، وزاد ‏(‏ش‏)‏ إبطال النكاح، وفي الكتاب‏:‏ إذا تزوج على الخيار له أو للولي أو للزوجة أو لجميعهم فسخ قبل البناء؛ لأنهما لو ماتا قبل الخيار لم يتوارثا، ويثبت بعد البناء بالمسمى، وكذلك إذا تزوج على أن لم يأت بالصداق إلى أجل كذا ‏(‏فلا نكاح بينهما، وقد كان يقول فيهما يفسخ بعد البناء، قال ابن يونس‏:‏ قال أشهب‏:‏ إذا قال‏:‏ إن لم آت بالصداق إلى أجل كذا‏)‏ فأمرك بيدك لا يفسخ؛ لأنه شرط لازم‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا قال‏:‏ إذا مضى شهر تزوجتك، ورضوا بذلك فهو باطل لا يقام عليه‏.‏

فرع‏:‏

قال صاحب البيان‏:‏ إذا تزوج على مشاورة فلان في المجلس قبل الافتراق أجازه ابن القاسم، فإن مات أحدهما بعد الرضا في المشاورة البعيدة قبل الدخول أو بعده على القول بالفسخ بعده جرى التوارث على الخلاف الذي في المدونة في الميراث والطلاق، وفيما يفسخ من الأنكحة المختلف فيها، قال ابن القاسم‏:‏ وإذا قال المستشار‏:‏ لا أرضى، ورضي الزوج ثبت النكاح، وحكى التونسي لزوم قول المستشار؛ لأنه المشترط‏.‏

فرع‏:‏

قال صاحب المنتقى‏:‏ لمالك في النكاح الموقوف قولان، وأجازه ‏(‏ح‏)‏، ومنعه ‏(‏ش‏)‏، وصفته‏:‏ أن يتزوجها، ويوقفه على إجازتها، ويعلم الزوج بذلك، وقال القاضي أبو الحسن‏:‏ يصح أن يوقف على إذن الولي بعد رضا الزوج دونها؛ لأن الخيار فيه ليس عاما، وقال القاضي أبو الحسن‏:‏ يصح مع القرب استحسانا، قال‏:‏ والموقوف طرفاه على المرأة قولان، وأحد طرفيه على الآخر إما الزوج أو الولي في كراهة ما قرب منه قولان، وهو الصحيح اتفاقا، وفي بطلان ما بعد قولان‏.‏